ثقافة و فن

تأثير دانينغ – كروجر و تداعياته النفسية

بقلم: رضوان الأحمدي / برشلونة

تأثير دانينغ – كروجر Dunning – Kruger له ما يشابه معناه اذا وقفنا عند مقولة المفكر الإسلامي، الطبيب و الفقيه ابن سينا عندما قال جازما؛ بُلِينا بقوم يظنون ان الله لم يهد سواهم ” ،و يشير فيه إلى التحيز المعرفي او ما يسمى بالتحيز الإثباتي و يعني ان الأشخاص يميلون لتقبل المعلومات التي تثبت معتقداتهم و يرفضون المعلومات التي تخالفها.


تأثير دانينغ – كروجر يعرف بالميل إلى المبالغة في تقدير الشخص لمعرفته ولقدراته في المجالات التي لا يضبط إيقاعاتها، مما يضعه أمام اشكالية معرفية حقيقية تلزمه التصرف بصيغة تعويضية توليفا و تجاوزا لتناقضاته الأولية فيقع في التعسف التأويلي كحجاب عازل يحميه من جمرة السؤال .

الأشخاص الذين يظنون ان الله لم يهد سواهم لهم قناعة انهم يعرفون و لهم إلمام بكل شيء، في الحقيقة هم أشخاص لديهم مستوى منخفض معرفيا، لا يتوفرون على المهارات اللازمة في مجال ما، يفتقرون إلى القدرة على التعرف على عدم كفاءتهم، يميلون إلى المبالغة في تقدير أنفسهم، يعتقدون أنهم يعرفون أكثر بكثير مما يعرفونه بالفعل، ليس لهم بؤرة الضبط، (Focus de control )التي تجعل قراراتهم سوية و معقلنة، مبنية على الحس المشترك.


تم تسمية تأثير دانينغ – كروجر إستعارة لإسم أستاذان ينتسبان الى جامعة كورنيل، بنيويورك، دافيد دانينغ و جاستن كروجر. اللذان خاضا سلسلة من التجارب التي أجريت منذ عام 1999 ونشرت في مجلة “المجلة الشخصية والاجتماعية” ، توصلا في أطروحاتهم إلى أن المشاركين الذين حصلوا على درجات أقل في سلسلة من اختبارات المنطق والقواعد والفكاهة يميلون إلى المبالغة في تقدير أدائهم. وقدراتهم، معتقدين أن نتائجهم كانت الأفضل مع تقدير زائف للذات متماطل المكاشفة، بينما أظهر الطلاب الأذكياء شكوكًا حول أدائهم ولم يكونوا متأكدين من نتائج التنقيط رغم انهم ابانوا عن انسياب معرفي فائق المهارات التدبيرية.

إقرأ أيضا


الذين يظنون ان الله لم يهد سواهم يفسد قصدهم عدم الكفاءة، ينتاب سردياتهم الملل، يخافون من حقيقة الأشياء، يصبح همهم الأهم الميل الى التحكم في الفضاءات التي يتعاملون معها، يتقربون الى الأشياء بحيطة، الأفكار الجديدة الصادرة من الناس الآخرين تزعجهم وتوتر ترقباتهم …..


أولئك الذين لديهم تأثير دانينغ – كروجر يجدون صعوبة في التعرف على استحقاقات الآخرين، ينفون من عقولهم كل المبادرات التشاركية. نظرا لقوقعتهم التواصلية يهتدون إلى استنتاجات خاطئة، و يتخدون قرارات غير مفهومة و غير سليمة المبنى. ينخدعون بسهولة، ينتعشون وفق دينامكية بما تسمي بالفكر القطبي الثنائي اما اسودا او ابيضا، لا يُقبل اكثر من طيفين قطعا، يجمعون الحقائق في فئات، في معظم الحالات متعارضة التقاطب و التقارب (اللاعقلانية) . يمجدون الأنا بطريقة مبالغ فيها للغاية. وفقًا للاقتصاد السلوكي، فإنهم يمثلون رصدا، فجوة بين التكلفة والفائدة، يخسرون على مستوى العلاقات أكثر مما يمكن أن يكسبوه، تواصلهم معيب بسبب إفتقارهم إلى الإيقاع والآراء المختلطة و المتخاصبة، لا يسمعون الا الأصداء المتكررة لنرجسيتهم. ينفون شرعية كل من لم يخاطب ودهم أو لم يبجل إطراء لردأتهم. عادة ما يلجؤون الى حقائق مفترضة باحثين عن الأمان بسبب مخاوفهم ان ينفضح امرهم وتستظهر هشاشتهم آلفكرية عريا. تراهم يقمعون اي اندفاع تواق الى استغوار مكامنهم خوفا ان ينهار معنى و جودهم، يفضلون الإنخداع الذاتي من ان يخوضوا مغامرة الإحتكاك المتنوع الروافد. في الواجهة المقابلة، نجد الأشخاص الأذكياء، دائمًا في حالة إعادة تعريف مستمرة لأنفسهم في مواجهة واقع ذاتي يغمرهم بالأسئلة التي يتم صياغتها باستمرار، وهذا هو الثمن الذي يدفعه الأذكياء لكونهم على ما هم عليه؛ أصحاب الهموم وقلوبهم الدافئة ببطء والذكاء كما عرفه دادفينسون اصله الطيبوبة،لأن لا ذكاء بدون طيبوبة…


إن تأثير دانينغ – كروجر، من بين انعكاساته السلبية انه يحد بشكل ملفت النظر من إمكانات التطور الفردي، فهو يساهم في عدم تثبيت النقد الذاتي كعنصر ضروري لإنضاج القرارات الجيدة. يتم منع المعرفة الجديدة و المتجددة بسبب عدم وجود حافز للتحسن والتعلم الجيد، الخلط بين تحديد الفرق بين توقع الأداء الذاتي والأداء الحقيقي يبقى ظاهرا و على مرأى الملاحظين. الإدراك المفرط للذكاء الذاتي هو تدمير للذات، يحول دون إتمام عملية التاثير والإنصهار ضمن تخاصب يضفي للتواضع الإدراكي رونقه.


الشخص الذي يعاني من تأثير دانينغ – كروجر او الذي يظن ان الله لم يهد سواه، إذا كان متعاقدا، يؤثر سلبا على بيئة العمل، وعادة ما يكون ذلك الشخص أقل إنتاجية و مردودية، يميل إلى تسميم المناخ بحثا عن تحالفات مثل استقطاب بعض أعضاء فريق العمل للإستقواء مكانة، سلوكه يتسم بالإحتدامية، سلوك غاضب متلاعب النهج و المنهج . يخفي عدم كفاءته، محدثا ضجيجًا زائدا متفاخرا بغروره إصرارا، يغضب بسهولة ويكره بالتساوي او بالتوازي ان صح القول….

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى