إسبانيا اليوم

تقديم نسخة عربية من الدستور الإسباني

أخبار إسبانيا /

تُقدّم مدرسة طليطلة للمترجمين ووكالة الجريدة الرسمية الإسبانية,  الطبعة الجديدة ثنائية اللغة الإسبانية-العربية من الدستور الإسباني، وهي ثمرة تعاون بين المؤسسات السالفة الذكر، الطبعة الجديدة هي عبارة عن نصٍّ مُراجع من قِبَل مترجمين من خلفيات ومدارس قانونية متنوعة. هذا و سيُقام عرض تقديمي لهذه النسخة الجديدة,  يوم الثلاثاء، 2 ديسمبر/كانون الأول، في العاصمة مدريد.

و تعد الطبعة الجديدة, نسخة مُنقّحة من الطبعتين السابقتين اللتين نشرتهما مدرسة طليطلة للمترجمين عام 2012. و أشرف المترجم مراد زروق، أستاذ الدراسات الإسبانية بجامعة الدار البيضاء، على تنقيح المصطلحات القانونية لتكييفها مع أوسع نطاق جغرافي وأكثرها حياديةً داخل الدول العربية. وقد شارك في المشروع أيضا المترجمٌ، فتحي محمد فتحي الحياني، أستاذ القانون الدولي العام بجامعة الموصل بالعراق ومدير مركز بناء السلام والتعايش السلمي فيها. فيما أشرف على تنسيق هذه النسخة لويس ميغيل بيريز كانيادا، الأستاذ بجامعة كاستيا لا مانشا ومدير برامج الترجمة والنشر في مدرسة طليطلة للمترجمين.

هذا العمل، المنشور في مجموعة المدونات القانونية لوكالة الجريدة الرسمية للدولة الإسبانية، متاح للطباعة عند الطلب، وللتحميل الرقمي المجاني على شكل PDF على الموقع الإلكتروني لوكالة الجريدة الرسمية، مع إمكانية الوصول المفتوح لجميع المواطنين.

إقرأ أيضا

و بالإضافة إلى مشاركة المؤسسات التي تُصادق على هذه النسخة الجديدة، سيتضمن العرض التقديمي مداخلات من أساتذة متخصصين, أبرزهم, يولاندا غوميز سانشيز، أستاذة القانون الدستوري وجان مونيه، الأستاذة المُعتمدة  في الاتحاد الأوروبي، وتمارا الخوري، أستاذة القانون الدستوري المقارن بإحدى الجامعات الخاصة بمدريد, والمديرة التنفيذية للمنظمة العربية للقانون الدستوري,  سيُحللون من خلالها قيمة الدستور الإسباني وأهميته للمواطنين العرب، سواءً في إسبانيا أو في الدول العربية الأخرى، عند تناول الجوانب والمشاكل المشتركة في تشكيل هذه الدول، مثل إدارة الأراضي والأقليات اللغوية، حيث يُمكن أن يُشكل مرجعًا ذا صلة.

و يهدف نشر هذه الطبعة الجديدة المُنقحة ثنائية اللغة الإسبانية-العربية إلى توفير أداة مفيدة لعامة الجمهور والمتخصص في ممارسة القانون الدستوري المقارن، والتعاون المؤسسي، وتبادل الخبرات بين إسبانيا والدول الأخرى.

يعدّ الدستور الإسباني لعام 1978 أحد أهم التحولات السياسية في التاريخ المعاصر لإسبانيا، إذ شكّل الإطار القانوني الذي نقل البلاد من نظام سلطوي امتد لعقود إلى دولة ديمقراطية حديثة تقوم على سيادة القانون وضمان الحقوق الأساسية. جاءت صياغة الدستور في سياق مرحلة انتقالية حساسة بعد وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو عام 1975، حيث كان على القوى السياسية والاجتماعية المختلفة أن تتوافق على وثيقة تجمع بين تطلعات قطاعات واسعة من المجتمع ورغبتها في بناء نظام سياسي جديد يضمن الحرية والتعددية والاستقرار. وقد مثّل هذا التوافق، المعروف بالانتقال الديمقراطي، إحدى التجارب الأكثر تميزًا في أوروبا خلال القرن العشرين، إذ استطاعت القوى المتعارضة أيديولوجيًا أن تجد أرضية مشتركة تؤسس لمشروع وطني شامل.

مرّ الدستور بعدة مراحل قبل اعتماده، بدءًا من تشكيل لجنة من النواب المعروفة بـ«الآباء الدستوريين» الذين عملوا على صياغة نص جامع، مرورًا بمناقشات موسعة في البرلمان، وصولًا إلى الاستفتاء الشعبي الذي حصل فيه الدستور على تأييد واسع يعكس رغبة حقيقية في فتح صفحة جديدة من تاريخ البلاد. وقد تناولت مواده تنظيم سلطات الدولة، وضمان الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وكذلك الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي داخل إسبانيا من خلال منح الأقاليم نظامًا للحكم الذاتي شكّل لاحقًا إحدى السمات المميزة للدولة الإسبانية.

و على مدى العقود التي تلت دخوله حيّز التنفيذ، أثبت الدستور قدرته على توفير إطار مستقر لنمو المؤسسات الديمقراطية وتطوير حياة سياسية تقوم على التعددية وتداول السلطة. فقد سمح بتعزيز دور البرلمان، وتكريس استقلال القضاء، وتثبيت قواعد واضحة لعمل الحكومة والعلاقة بين الدولة المركزية والأقاليم. كما لعب دورًا جوهريًا في توجيه عملية الاندماج الأوروبي لإسبانيا، إذ ساعد في مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الأوروبية، الأمر الذي كشف عن مرونة الدستور وقدرته على التكيف مع التحولات الداخلية والخارجية.

إقرأ ايضا

إضافة إلى ذلك، كان للدستور أثر بالغ في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، إذ وفر حماية قانونية قوية لحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات، والمساواة بين المواطنين، وضمانات قضائية تعزز ثقة المواطن بالمؤسسات. وقد أسهم هذا الإطار في خلق مجتمع مدني نشط وفي تعزيز المشاركة السياسية، ما جعل التجربة الديمقراطية الإسبانية مثالًا يُستشهد به في دول أخرى تمر بمراحل انتقالية مشابهة.

ورغم النجاح الكبير الذي حققه الدستور، فإن النقاش حول تحديث بعض مواده ظل قائمًا، خصوصًا في ما يتعلق بالنظام الإقليمي، ودور مجلس الشيوخ، ومسائل الخلافة الملكية. ومع ذلك، فإن مكانته باعتباره حجر الأساس في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة تبقى ثابتة، إذ ما يزال يشكل المرجعية العليا التي تنظّم حياة الإسبان وتضمن حقوقهم، ويُعدّ أحد أبرز عوامل استقرار البلاد وتطورها على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

و بهذا العمل المتميز, تواصل مدرسة طليطلة للمترجمين ترسيخ مكانتها كإحدى أهم المؤسسات الأكاديمية والثقافية في إسبانيا، بعد عقود من العمل الموجَّه نحو تعزيز التبادل اللغوي بين العالم العربي والإيبيري. ومع ارتباطها المباشر بجامعة كاستيا لامانشا، أصبحت المدرسة منصة رئيسية للتدريب المتخصص في الترجمة العربية–الإسبانية، مستندة إلى إرث تاريخي يعود إلى القرون الوسطى حين لعبت طليطلة دورًا محوريًا في نقل العلوم العربية إلى أوروبا. ويشهد البرنامج الأكاديمي للمدرسة تطورًا مستمرًا، مع مشاركة أساتذة وخبراء من خلفيات متعددة، إضافة إلى مشاريع نشر وترجمة تستهدف الأدب والفكر والنصوص القانونية. ويؤكد القائمون على المدرسة أن هدفهم ليس فقط تخريج مترجمين مؤهلين، بل أيضًا تعزيز فهم عميق للسياقات الثقافية التي تتحرك فيها اللغات، الأمر الذي جعلها مرجعًا معتمدًا لدى مؤسسات بحثية ودبلوماسية عديدة.

وتسعى المدرسة اليوم إلى توسيع حضورها الدولي من خلال مبادرات تعاون مع جامعات عربية وأوروبية، فضلًا عن تنظيم مؤتمرات وورش عمل تجمع الباحثين والمترجمين وصناع القرار. وترى إدارة المدرسة أن دورها يتجاوز الجانب الأكاديمي ليصبح منصة للحوار بين الثقافات، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة إلى بناء جسور تواصل بين العالم العربي وإسبانيا. وقد أسهمت هذه المبادرات في تعزيز مكانة المدرسة كمركز رائد في الترجمة والتبادل الثقافي، يعكس التزامًا مستمرًا بتطوير مهارات المترجمين وتحديث أدوات العمل في زمن تتسارع فيه التحولات اللغوية والتقنية. ومع تزايد الاهتمام بالدراسات العربية في إسبانيا، تبرز مدرسة المترجمين في طليطلة كمؤسسة قادرة على الاستجابة لتحديات المرحلة، وتوفير فضاء يجمع بين البحث الأكاديمي والخبرة المهنية، مما يعزز حضور الترجمة العربية–الإسبانية في المشهد الثقافي والإعلامي على حد سواء.

المصدر: موقع مؤسسة البيت العربي بتصرف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى