ثقافة و فن

دراسة إسبانية تفكك أسطورة حروب “الاسترداد” في المناهج الدراسية

لا تزال سردية حروب الاسترداد تشكل “أسطورة عميقة” في الكتب المدرسية لمئات الآلاف من أطفال المدارس في إسبانيا,  هذا هو الاستنتاج الرئيسي للباحث, ديفيد فيليز, مؤلف دراسة نشرت في المجلة الرقمية الأندلس والتاريخ تحت عنوان “الاسترداد” في المدرسة الثانوية وفقا لكتب التاريخ الإسبانية. وقد شهد التأريخ النقدي الذي جدد دراسات العصور الوسطى في السنوات الأخيرة تقدما كبيرا، لكنه لم ينعكس بعد في الكتب المدرسية.

ويؤكد المؤلف في استنتاجاته أنه “لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به للتغلب على الأساطير والصور النمطية المتجذرة في التأريخ المدرسي الإسباني”,  ويحذر أنه فقط: ” من خلال التعليم التاريخي الصارم والتعددي يمكننا التحرك نحو فهم أكثر اكتمالا وانعكاسا لتاريخ إسبانيا”.

و يشير الباحث,  ديفيد فيليز,  أن التاريخ قد استخدم لعدة قرون كأداة لصياغة “الهوية الجماعية” وشكلت الكتب المدرسية “موردا أساسيا” في هذه العملية,  ولهذا السبب، ساهمت المناهج المدرسية التي أصدرتها البلدان بشكل حاسم في “بناء الهوية الوطنية”.

وفي الحالة الإسبانية، يرى الباحث أن بناء المخيلة التاريخية أدى إلى تخليد سردية هوية منذ العصور القديمة تقوم على “تمجيد الأعمال الأسطورية والأبطال الوطنيين”، من نومانسيا إلى كوفادونجا، مرورا بنافاس دي تولوسا وفيرياتو وبيلايو, والملوك الكاثوليك.

إقرأ أيضا

أحد المصادر المتكررة لسردية حروب “الاسترداد” هو كلاوديو سانشيز ألبورنوز، مؤلف كتاب “إسبانيا لغز تاريخي”، حيث يقدم الأسطورة على أنها “نضال وطني” بدأ بعد انتصار كوفادونجا وانتهى بالاستيلاء على غرناطة وطرد المسلمين عام 1492,  هذه الفكرة التي أوضحها ألبورنوز ظلت موجودة في العديد من المناهج التي لا تزال تستخدم حتى اليوم، وفقًا للباحث, ديفيد فيليز. و كان, خوسيه أنطونيو مارافال، في كتابه مفهوم إسبانيا في العصور الوسطى، مرجعًا في كتيبات الجغرافيا والتاريخ حتى التسعينيات,  ومن منظوره، كان العرب “يفتقرون إلى مفهوم إسبانيا” بينما كانت بالنسبة للمسيحيين فكرة “إلزامية” ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرؤية “الحصرية” للأندلس,  ولذلك كان الفتح العربي بمثابة “حادث” غيّر “عملية التوحيد الوطني”.

لم يظهر منظور نقدي لمفهوم “الاسترداد” إلا في عام 1978، على يد كل من,  أبيليو باربيرو ومارسيلو فيجيل، مؤلفي كتاب “تشكيل الإقطاع في شبه الجزيرة الأيبيرية”, و الذي وصفه, ديفيد فيليز, أنه  شكل ” ثورة في دراسات العصور الوسطى”, حيث  “ينتقد العمل البحث الجوهري عن جذور إسبانيا.” ومن الكتب المبتكرة الأخرى في السبعينيات الكتاب الذي وقعه, بيير جويشارد تحت عنوان “الأندلس البنية الأنثروبولوجية للمجتمع الإسلامي في الغرب”.

و في نهاية القرن العشرين، تم نشر أعمال أكاديمية جديدة قامت أيضًا بمراجعة مصطلح “الاسترداد”,  فبالنسبة لأليخاندرو غارسيا سانخوان، أستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة هويلفا، فإن الفكرة مرتبطة “بالقطاعات الأكاديمية والسياسية التي تدعم القومية الإسبانية”, و  يقدم مارتن ريوس سالوما، ورامون لوبيز فاكال، وكارلوس دي أيالا، وفرانسيسكو غارسيا فيتز منظورًا جديدًا للأسطورة الوطنية بامتياز.

كما درس, خورخي سايز، باحث مختص في تاريخ القرون الوسطى والدكتور في التربية، كتب التاريخ المدرسية بغزارة,  ليخلص أنه “يجب أن نفرق بين الخطاب الأكاديمي العلمي والخطاب المدرسي”,  بالنسبة للخبير، المشكلة تحدث عندما يقوم الطلاب والمعلمون الذين ليس لديهم تدريب تعليمي وتاريخي كافٍ بقراءة “جوهرية” لمصطلح الاسترداد.

واليوم، و في رأيه، هناك أقلية متبقية تدافع عن تلك “الرؤية الهوياتية” الأكثر ارتباطاً بالخطابات المتناغمة مع “الفاشية الإسبانية الحالية”,  يعترف خورخي سايز,  بأن “الثقافة القومية” لا تزال قائمة بناءً على “موضوعات معينة” لم يتم تحديها من قبل عامة الناس وأن بعض تيارات القومية الإسبانية و حزب فوكس اليميني المتطرف,  تعيد إطلاقها في السنوات الأخيرة,  و يواصل بالقول”يمكن أن تتضمن الكتب المدرسية في بعض الحالات مصطلحات مثل “الاسترداد”، ولا تتضمن دائمًا الأنشطة التي تسمح بالقراءة النقدية.”

إقرأ أيضا

خورخي سايز,  يحذر من تزايد المؤرخين الزائفين, و يؤكد أنه “في مواجهة هذه الخطابات الشعبوية والإمبريالية والقومية الكاثوليكية، يجب على المدرسة أن تؤدي وظيفة, وأنا أدافع عن وجود تعليم تاريخي نقدي من جانب المعلم”، ويضيف: “الحديث عن الإمبراطورية الإسبانية أو الحديث عن الاسترداد هي أسئلة معقدة تعرضت للنقد في أحدث كتب التأريخ.”

وتخلص الدراسة إلى أن تاريخ الأندلس يحضر بشكل قليل في الكتب المدرسية الإسبانية, حيث تحتل الأندلس مرتبة ثانوية,  ما لا يزيد عن 20٪ من المساحة المخصصة للتاريخ,  والعديد من الطلاب تحت تأثير الشبكات الاجتماعية والخطاب القومي الإسباني يأتون إلى الفصول الدراسية على افتراض أن الاسترداد كان “مشروع تحرير وطني”.

المصدر: موقع Publico

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى