سيكولوجية الفقر

بقلم رضوان الأحمدي / كاتب من برشلونة
الفقر يصيب الكرامة جرحا غائرا، ويشتت الحواس ايلاما، ويقوض احترام الذات استهدافا ، الفقر يثير المخاوف الداخلية و المتشابكة تسلطا فيصبح الخوف ملازما، غير واضح المعالم يتشكل في عدة هيئات: الخوف من كل شيء، الخوف من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، الخوف من أن يستمر الوضع الطاريء إلى الأبد، أو الخوف من أن تتحول حياة المرء إلى شيء تافه و عديمة المعنى.
الفقر تحدثت عنه كل الأديان بوصفه شرًا مزعزعًا للاستقرار، وتحدث عنه علماء الاجتماع بوصفه انتروبيا، فوضى مصطنعة فيما يتعلق الأمر بالتفاعل الاجتماعي، واهتم به أيضا علماء النفس، وحاولوا البحث في البنية النفسية للمستبعدين وتشريح دوافعهم وعاداتهم السلوكية، واستخلص كل تخصص استنتاجاته وقدم أطروحاته، وتقاطعت هذه الاستنتاجات كمتضادات ذات هامش من حيث التذبذب في الطابع المعرفي تشعبا.
الفقر la pobreza، حسب التعريف الاشتقاقي، مشتق من الكلمة اللاتينية Paucus، أي: القليل، Parire التي تعني الأرض العقيمة ذات الغلة القليلة.
يؤثر الفقر على النمو الوجداني للشخص، و يقلل من توقعاته و يضيق أفقه. الفقر يؤثر على الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات في سياق تكون فيه الموارد شحيحة و قابلة للزوال.
الفقر يشوه العمليات الإدراكية، ويزيد من الشعور بعدم الأمان. الفقراء لديهم بما بسمى برؤية النفق يركزون على البحث عن حلول فورية لمشاكلهم الأكثر إلحاحاً، كل ما هو متوسط المدى ضبابي التحقق و الإدراك.
إقرأ أيضا
هناك علاقة أكيدة بين الفقر و بعض الإضطرابات النفسية مثل التذبذب الانفعالي، الإكتئاب والتعرض للأمراض المزمنة، ونقص في الذكاء ومهارات حل المشكلات مثل المهارات التنفيذية، كما تضعف اللغة بسبب نقص المثيرات الخارجية التي تعطي حافز لنضجنا اللغوي، يتباطأ اكتساب المفاهيم الجديدة ويصبح إدراكنا للزمن غير واضح، ولا معنى له، وكأنه زمن ميت.
مكافحة الفقر
الفقر هو قرار سياسي مرتبط باختلال توازن السوق، وهو نتيجة تقاعس يسير في اتجاه جعل حالة الفقر عنصرا غير مرئي. الفقر يحرم الناس من الحصول على اشباع الحاجيات الأساسية والحقوق الأساسية، والأسوأ أنه يتحول من حدث عابر إلى هوية بنيوية.
لتصحيح هذا الاتجاه، يجب ان نطرح حلولا, أن تكون هناك ارادة فاعلة و مشاركة كاملة من جميع الفاعلين الاجتماعيين، لاستكشاف حالة الإقصاء في مجملها كخطوة أولى, محطة بحث و استغوار، مع استثمار الطاقة والوقت في تحديد مصادر التوتر ووصف أسباب الإقصاء.
إقرأ أيضا
ومن ثم توجيه الطاقة والوقت في تحديد مصادر التوتر ووصف الاختلالات وأوجه القصور والعيوب التي يعاني منها التعليم الناقص الذي لم يتم رسوه على قدم المساواة، والخالي من آليات الارتقاء الإجتماعي الصادق والمستمر.
وفي المرحلة الثانية، يجب العمل بيداغوجيا على كيفية تركيز الاهتمام على بناء كرامة الفقراء، المستبعدين.
من الضروري العمل، كتعويض، على التربية على الاستقلال الذاتي، لتزويد المحرومين بالوسائل اللازمة لاستعادة احترامهم لذاتهم وتعلم المشاركة في المشاريع المجتمعية بطريقة متكافئة، كما يستوجب النداء لمشاركة التجربة والجانب الإنساني لبعض القصص للعبرة التي تعبر في مضمونها عن انزلاق البعض نحو جهنم المآزق الإنسانية و ذلك لإضفاء الطابع الإنساني على الألم والإقصاء الاجتماعي وربط كل شيء بالقيم العالمية التي نريد تعزيزها كمسلك.
كما ندعو في اقتراحنا لتعزيز شخصية المربي المجتمعي الذي يعرف كيف يوجه تطلعات الناس ويوجههم نحو سيناريو الإنجاز.
إننا جميعًا كمجتمع مسؤولين عن تلك الظاهرة، وعن ترك الناس يسقطون دون أن نقدم لهم المساعدة التي يحتاجونها، فنحن نعتقد أننا في مأمن ولا ندري أن مثل هذه الأمور يمكن ان تمسنا من قريب. نحن لا ندرك أن أوضاعنا يمكن أن تنقلب ثلاثمائة وستين درجة صوب الهاوية بضربة واحدة من القدر الذي لا يعطي الكثير من الإنذارات المتتالية.





