معركة أسر مسلمة لانتزاع حق التعليم الديني لأبنائهم بإسبانيا

أخبار إسبانيا /
تواجه مجموعة من الأسر المسلمة تحديات كبيرة في سعيهم إلى ضمان حصول أبنائهم على دروس في التعليم الديني الإسلامي داخل المدارس الإسبانية, و بالتحديد بجزر البليار. هذه الأسر، ومعظمها من أصول مهاجرة، تجد نفسها أمام مسارات إدارية معقدة تكاد تجعل الوصول إلى حقوقها أمرًا بالغ الصعوبة.
إحدى هذه الأسر المسلمة، حاولت عبر القنوات الرسمية المطالبة بحق ابنها في تلقي التعليم الديني الذي يتوافق مع معتقدات الأسرة. لكن طلبها بقي بلا رد، ما دفعها إلى اللجوء إلى القضاء بعد أن واجهت ما يُعرف بالصمت الإداري الذي حال دون الحصول على حقها في إجابة واضحة.
وبعد شهور من الانتظار، صدر حكم قضائي اعتبر أن تجاهل طلب الأسرة المسلمة يمسّ حقًا أساسيًا يكفله الدستور، وهو حق الوالدين في ضمان تلقي أبنائهم تعليمًا دينيًا وأخلاقيًا يتماشى مع قناعاتهم. ورغم أن المحكمة أشارت إلى وجود إشكاليات تنظيمية داخل المؤسسة التعليمية، فإنها أكدت في الوقت نفسه أن حرمان الطالب من هذا الحق يمثل خرقًا واضحًا للمبادئ الدستورية.
الجمعيات المعنية بحقوق المسلمين بجزر البليار, أكدت من جانبها, أنها تتلقى شكاوى عديدة لأسر مسلمة تطالب بتفعيل حصص التعليم الإسلامي في المدارس. ورغم أن الإطار القانوني يلزم المؤسسات التعليمية بتوفير هذا الخيار عند وجود طلب كافٍ، فإن التطبيق على الأرض يواجه مقاومة ملحوظة داخل بعض المراكز التعليمية، التي ترفض إدراج هذه المادة ضمن برامجها الدراسية و التربوية.
إقرأ أيضا
وتشير هذه الجمعيات إلى أن الأمهات والآباء الذين يطالبون بهذا الحق غالبًا ما ينتظرون طويلًا قبل أن يُسمع صوتهم، نظرًا لكونهم ينتمون إلى أقليات لا تحظى بالتمثيل الكافي، الأمر الذي يجعل حقوقهم عرضة للتجاهل أو التأجيل.
من جهة أخرى، تبرر بعض إدارات المدارس رفضها بأن أولياء الأمور يقبلون ضمنيًا بالمنهج الديني المطبق في المؤسسة بمجرد تسجيل أبنائهم فيها، بينما تؤكد جهات حقوقية أن هذا المنطق يتعارض صراحة مع القوانين التي تضمن حرية اختيار التعليم الديني بغضّ النظر عن طبيعة المؤسسة.
وتبرز هذه القضية نموذجًا متكررًا في مناطق عدة داخل إسبانيا، حيث بدأت أسر مسلمة أخرى باتخاذ خطوات قانونية مماثلة للمطالبة بحقوق أبنائها. ويرى نشطاء أن المسألة لم تعد مجرد إجراء إداري، بل باتت دفاعًا عن حق أساسي يتعلق بحرية المعتقد والمساواة في الخدمات التعليمية لجميع المواطنين مهما كانت خلفياتهم الدينية.
إشكالية تعليم الدين الإسلامي في المدارس الإسبانية
و عرفت إسبانيا في السنوات الأخيرة تزايد الجدل حول مسألة تدريس التعليم الديني الإسلامي للتلاميذ المسلمين، وهي قضية تعكس فجوة واضحة بين الإطار القانوني الذي يضمن هذا الحق وبين الممارسة الفعلية داخل كثير من المدارس. فعلى الرغم من أن التشريعات الوطنية تُقرّ بحق الأسر في اختيار التعليم الديني الذي يتوافق مع معتقداتها، فإن العديد من المؤسسات التعليمية تتردد في إدراج مادة التعليم الإسلامي ضمن برامجها، بحجة نقص الكوادر المتخصصة أو بدعوى الحفاظ على “هوية” المؤسسة. هذا الوضع يضع الأسر المسلمة أمام مسارات إدارية معقدة تتطلب معرفة دقيقة باللغة والأنظمة، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للعديد من العائلات التي تواجه صعوبات لغوية أو تلك التي لا تمتلك الموارد الكافية لمتابعة هذه الإجراءات الطويلة والمرهقة، مما يعمّق شعورهم بالهشاشة والتهميش داخل المنظومة التعليمية.

ولا تقتصر المشكلة على الجانب الإداري فحسب، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى تأثير مباشر على الهوية الثقافية والدينية للأطفال المسلمين. فغياب تعليم يراعي انتماءهم الديني يخلق لديهم شعورًا بالاختلاف غير المفسر، خصوصًا عندما يشاهدون زملاءهم من ديانات أخرى يتلقون دروسًا دينية تتماشى مع معتقداتهم. هذا التباين يولّد فجوة نفسية قد تؤثر على ثقتهم بأنفسهم وعلى إحساسهم بالانتماء إلى بيئتهم المدرسية والمجتمعية. ويعزو بعض المختصين هذا الوضع إلى غياب وعي مؤسساتي حقيقي بأهمية التنوع الديني، في حين يؤكد آخرون أن المسألة لا تتعلق فقط بالاعتراف بحقوق الأقليات، بل ترتبط أيضًا بضرورة ضمان تكافؤ الفرص التعليمية لجميع التلاميذ دون تمييز. ويشير هؤلاء إلى أن احترام الخصوصيات الدينية يجسد قيم التعايش المشترك ويعزز التماسك الاجتماعي، خاصة في مجتمع متعدد الثقافات مثل المجتمع الإسباني.
إلا أن معالجة هذه الإشكالية تتطلب إرادة سياسية ومؤسساتية واضحة، تبدأ بتوفير معلمين مؤهلين في تدريس الدين الإسلامي، ووضع آليات شفافة لتنظيم هذه الحصص داخل المدارس، إضافة إلى تدريب الإدارات التربوية على إدارة التنوع الديني بصورة بنّاءة. كما يستدعي الوضع تنسيقًا أفضل بين الجهات التعليمية المركزية والإقليمية لضمان استجابات فعّالة لطلبات الأسر، وعدم تركها في مواجهة “صمت إداري” يضطرها في أحيان كثيرة إلى اللجوء إلى القضاء. ويرى خبراء في قضايا الحقوق الأساسية أن مسألة تدريس الإسلام ليست شأنًا خاصًا بجالية محددة، بل اختبارًا لقدرة الدولة على حماية مبدأ المساواة وضمان حق كل طفل في تعليم يشمل أبعاده الثقافية والدينية. وفي نهاية المطاف، فإن تحقيق هذا الهدف لا يُعد مجرد استجابة لمطلب اجتماعي، بل خطوة ضرورية لترسيخ قيم المواطنة والانفتاح، وتعزيز نموذج تعليمي يعكس حقيقة التنوع الذي بات يشكل أحد مكوّنات الهوية المعاصرة للمجتمع الإسباني.




