مغاربة يطالبون بالعدالة بعد مقتل الشاب المغربي هيثم على يد الشرطة الإسبانية

أخبار إسبانيا /
احتشد العشرات من أبناء الجالية المغربية، اليوم الاثنين، أمام مقر محكمة مالقة بإقليم الأندلس, جنوب إسبانيا, للمطالبة بإحقاق العدالة في قضية وفاة الشاب المغربي, هيثم مجري، البالغ 35 عامًا، بعد أن قامت الشرطة بتقييده باستخدام مسدسَي صعق كهربائي داخل محل للاتصالات في مدينة توريمولينوس القريبة من مالقا. ووفق رواية صاحب المحل، كان الرجل يحاول السرقة، غير أن عائلته وأصدقاءه ينفون ذلك، مؤكدين أن هدفه كان شحن هاتفه المحمول فقط ليتمكن من دفع أجرة سيارة “أوبر”، واصفين في الوقت ذاته, تدخل الشرطة بأنه “تجاوز خطير في استخدام القوة”.
وخلال الوقفة الاحتجاجية، ردّد المشاركون شعار “العدالة لهيثم”، مستخدمين مكبّرات الصوت، وموجّهين مطالبهم إلى أفراد الشرطة المنتشرين في محيط المكان. وطالب المحتجون بكشف حقيقة ما جرى مساء السبت الماضي داخل محل الاتصالات حيث وقعت الحادثة المؤلمة، والعمل على “إعادة الاعتبار” للمتوفى، الذي شددوا على أنه “لم يكن لصًا”.

من جهته, قال ناصر، شقيق الضحية، إن هناك “محاولة لتصويرأخي كمجرم لتبرير هذه المأساة التي أنهت حياته ودمّرت عائلته”. وأضاف: “لم يرتكب أي فعل يستدعي هذه النهاية. سنواصل النضال حتى تظهر الحقيقة كاملة وتتم محاسبة المسؤولين عن هذا التصرف”. وأوضح أنه علم بوفاة شقيقه صباح اليوم التالي بينما كان متواجدًا في دولة البيرو. أما آخر تواصل بينهما، فكان عبر مكالمة فيديو يومي الخميس أو الجمعة, يقول ناصر “لم يخطر ببالي أن تكون تلك آخر مرة أراه فيها”
ورغم أن أفراد العائلة لم يكونوا شهودًا مباشرين على الحادثة، إلا أنهم يؤكدون أن روايتهم تستند إلى مقاطع مصوّرة التقطها شهود عيان، إضافة إلى إفاداتهم. وقال ناصر: “كان بإمكانهم السيطرة عليه بوسائل عديدة، لكنهم لجأوا إلى الأسوأ. ما حدث يعكس غياب المهنية والإنسانية”. كما أشار إلى وجود تسجيل جديد يُظهر، بحسب قوله، أن “الاعتداء استمر حتى بعد تقييد هيثم”.
إقرأ أيضا
و حتى الآن، لم تتسلّم عائلة هيثم التقرير النهائي للتشريح الطبي الذي سيحدّد السبب الدقيق للتوقف القلبي و الرئوي الذي أودى بحياته. واكتفت العائلة بالاطلاع على تقرير أولي صادر في يوم الوفاة نفسه صنّف الوفاة على أنها “ناتجة عن عنف”. ويُستخدم هذا الوصف عندما تكون الوفاة ناجمة عن عامل خارجي، سواء كان عرضيًا أو إجراميًا أو انتحاريًا.
وفي السياق ذاته، أفاد مقرّبون من العائلة بأنه سُمح لهم أخيرًا باستلام جثمان هيثم من معهد الطب الشرعي في مالقة, تمهيدًا لإقامة مراسم العزاء ووداعه الأخير.
تسلسل الوقائع
وتُظهر المقاطع المصوّرة المتداولة من التدخل الأمني أن الشاب هيثم كان يقف داخل محل الاتصالات، ممسكًا بهاتفين محمولين، من دون أن يبدو بحوزته أي سلاح. ولا تُظهر الصور سلوكًا عدوانيًا واضحًا، إلا أنه لم يستجب لأوامر الشرطة. في المقابل، نقلت مصادر أمنية مطلعة أن الضحية واجه العناصر “برمي أغراض” من داخل المحل و”الاعتداء على ممتلكات” المكان
وبحسب المصادر نفسها، وصلت في البداية سيارة دورية تابعة للشرطة الوطنية، في محاولة للسيطرة على الوضع، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، ما استدعى إرسال دوريتين إضافيتين، ليصل عدد العناصر إلى ستة. وأوضحت المصادر أن عناصر الشرطة حاولوا تقييده بالأصفاد بينما “كان يتحرك بعنف ويصرخ ويوجّه ركلات”.

وخلال المواجهة، استخدم أحد العناصر مسدس الصعق الكهربائي مستهدفًا ساق هيثم، غير أن الصعقة الأولى لم تُحدث التأثير المرجو. وبعد طرحه أرضًا، استمر الاشتباك، قبل أن يتم توجيه صعقتين إضافيتين من قبل شرطي آخر، إلى أن جرى تقييده بالأصفاد. ووفق الرواية الرسمية، كانت الشرطة قد أخطرت مسبقًا مركز الطوارئ الصحية لإرسال سيارة إسعاف، بهدف تمكين الطاقم الطبي من إعطائه أدوية مهدئة. إلا أن الضحية، و عند وصول المسعفين، لم يعد يستجيب لأي مؤثرات.
وتعرّض لاحقًا لتوقف قلبي رئوي، وعلى الرغم من محاولات الإنعاش القلبي الرئوي التي قام بها كل من عناصر الشرطة والطواقم الطبية، إلا أنه فارق الحياة في المكان نفسه. وعلى إثر ذلك، جرى استدعاء الشرطة العلمية والهيئة القضائية و التي تضم القاضي وكاتب العدل والطبيب الشرعي, و ذلك للشروع في إجراءات رفع الجثمان ونقله إلى معهد الطب الشرعي في مالقة.
حوادث مماثلة
هذا و شهدت السنوات الأخيرة تسجيل حوادث متكرّرة في مدن إسبانية، من بينها مدريد، انتهت بوفاة مواطنين مغاربة ومهاجرين آخرين خلال تدخلات أمنية أو أثناء عمليات توقيف. وتحوّلت بعض هذه الوقائع إلى قضايا رأي عام، بعد تداول مقاطع مصوّرة وشهادات متباينة حول ملابسات استخدام القوة، ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة بشأن مدى التناسب في التدخلات الأمنية، والضمانات المتاحة لحماية حياة الأشخاص، ولا سيما المنتمين إلى فئات هشّة مثل المهاجرين.
وفي العاصمة مدريد، لا تزال وفاة شاب مغربي خلال تدخل أمني قبل شهور حاضرة في ذاكرة الجالية، باعتبارها مثالًا على نمط حوادث يرى ناشطون أنها لم تعد معزولة. وترافقت تلك الواقعة مع احتجاجات ومطالبات بالتحقيق والمحاسبة، في ظل شعور متنامٍ لدى عائلات الضحايا بأن الحقيقة لا تظهر كاملة، وأن الروايات الرسمية غالبًا ما تتصادم مع ما يرويه الشهود أو ما توثّقه التسجيلات المصوّرة.
إقرأ أيضا
ولا تقتصر هذه الحالات على مواطنين مغاربة فحسب، إذ سُجّلت أيضًا وفيات لمهاجرين من جنسيات مختلفة في سياقات مشابهة، ما عزّز الإحساس بوجود قلق متزايد بشأن طريقة التعامل مع المهاجرين أثناء التدخلات الأمنية. منظمات حقوقية حذّرت مرارًا من تكرار السيناريو ذاته: استخدام وسائل قسرية، أعقبه تدهور صحي مفاجئ، ثم وفاة تثير الجدل حول المسؤوليات وحدود استخدام القوة. هذا التكرار في الوقائع خلّف حالة من القلق والاحتقان داخل أوساط الجالية المغربية والجاليات المهاجرة عمومًا، حيث يُنظر إلى هذه الحوادث بوصفها مصدر تهديد للأمن الشخصي وتقويضًا للثقة بالمؤسسات. ومع كل حادثة جديدة، تتجدّد المخاوف وتتسع دائرة المطالب بإصلاحات، تشمل تعزيز آليات الرقابة والمساءلة، وضمان الشفافية، وتفادي تحوّل مثل هذه التدخلات إلى مآسٍ إنسانية تزيد من حدة التوثر و القلق.





